lundi 7 mars 2016

سفر الرحيل أو هيمنغواي دون نبيذ

 سفر الرحيل أوهيمنغواي دون نبيذ 



ليست أوروبا و لا أمريكا و لا حتى آسيا، فالبوصلة تشير إلى الجنوب بعمق..نحو ما تحت الصحراء الكبرى تحديدا.. لن أستقل طائرة.. لن انضم إلى قوات حفظ السلام الدولية و لا إلى هيئات الإغاثة و لا إلى أي منظمة دولية في سبيل رحلة إفريقيا.. سأعبر الصحراء الكبرى دون دليل او مرشد..سأتتبع المسار العكسي  للهوموسابيانس الأوائل الذين صعدوا لجنوب المتوسط. لن أحمل أي وثائق هوية و لا كتابا و لا آلة تصوير و لا ساعة يدوية و لا أجهزة إتصالات.. ساترك كل شيئ خلفي..و أشق الصحراء كطلوع الشمس كقطار بخاري يجتاز جليد سيبيريا.. لن أتوقف إلا عند سهول السافانا او الغابات الكثيفة فأنا لا اعرف أين سأصل.. ربما ترميني قدماي في شمال نيجيريا... سأنضم إلى جماعة "بوكو حرام" و أمارس القتل الجماعي و الإغتصاب الجماعي و التدمير..
و لن تكون النهاية.. سأمحو ذلك و أواصل فلا مجال للرّكود سأواصل جنوبا أو شرقا نحو ارض الميعاد مكان ما حيث الحرب الضروس تطحن كل ما بلاقيها..كل العالم سيكون هناك.. سماسرة الحروب..شركات البترول و الغاز..تجار السلاح.. مهربوا الذهب و الألماس.. عملاء الإستخبارات من كل العالم المهتم.. صحفيون..
الأرض الحبلى بالقتل و الدماء، الارض التي لا سكون فيها ستكون منفاي..
في أرض الميعاد لا أعلم ماذا اريد أن اكون..لن أقرر شيئا ساتبع غريزتي كضبع يأكل الجيف..كقرش يتبع رائحة الدماء
ربما يصيبني فيروس قاتل فأستحيل جثة او عينة مخبرية و طعاما للكلاب..أو لعلي لا أموت فأصاب بالجنون و أصبح درويشا في قبيلة بدائية..و أرقص لهم و اغني لهم و لتسليتهم
أو ربما اكون اكثر حكمة و اوحد بين هذه القبائل المتفرقة كما فعل جنكيز خان..لن يخدعنا السيد الأبيض فقد خبرته جيدا.. سنجعل منهم عبيدا لنا و من نسائهم آلات متعة.. سنقتل كل الدخلاء خاصة مدّعي الطيبة.. الصحفيون وو كالات الإغاثة وكل اصحاب الدماء النقية و المبشرين و الواعظين ومن الممكن أن أكون اكثر حكمة و أوقف هذا النزيف و أقود صراعا محليا ضد الإمريالية في إفريقيا دون جرائم و لا إبادة.. ثم أقتل غيلة و غدرا و تقتلع عيناي و تصلب جثتي .. أما هناك سيحفظون ذكراي و يرددون كلماتي و يجكون مآثري..سيقولون أني أشفيت العميان و أحييت الأموات و أني قديس و أن السماء بكت على فراقي و سيجعل مني العالم الحر إرهابيا مجنونا قذرا... و بعد سنوات سيضعون صوري على علب الكوكا كولا و على قطع الشوكولاتة و ربما يطلقون إسمي على معزفة موسيقية او قصيدة.. لا أعلم

ولعلي اكون أكثر سذاجة و اعمل مع هيئات الإغاثة..سأقدم التلاقيح للأطفال و أشارك في عمليات الولادة و أساعد الجرحى..سأوزع الاغذية و المياه سأعمل ل18 ساعة في اليوم و أقضي ما بقي من يومي مع رفاق المنفى.. سأحكي لهم عن ثورة الزفت العربي و عن قناة المتوسط.. سأخبرهم عن العلمي و الغنوشي و كلب بن كلب و عن البيرة و الماغون العتيق.. سأحدثهم عن النسيان و الإشتياق و الحب و أحدثهم عن بلاد القهر و كلية التفليم.. و اغني لهم الصالحي و مرحوم إلي سمى عيشة و عن الزبوبية الكافية و سنشرب نخب المنفى

من الممكن أن أصبح مراسلا حربيا لصحيفة او قناة بريطانية أو أمريكية..سأنقل لهم كل القاذورات من هناك و سأصنع  من معاناة البعض نجاحي و ثروتي و انتهي كروبرت فيسك و أنا اتحدث عن الحرب الخاطفة ثم آخذ لنفسي تقاعدا مريحا في "هاواي" اجمع فيه قصصي و مذكراتي ..سأكتب كل يوم على تلك الشطئان السحرية و أفرغ رأسي من كل ما فيه ثم اطلق علبه رصاصة رحيمة
من الممكن أن اكون اكثر حكمة و أصبح تاجر سلاح و مهربا للذهب و الألماس..و أسقط كل الاعراف من قواميسي و أشعل الحرب لأسهل نهبي و تتراكم ثروتي..سأنقل السلاح من العالم المتحضر إلى العالم البربري و أنقل الذهب من اوحال هذا العالم إلى عالم الانوار.. و أقتني يختا و طائرة و قصورا في كل قارة و انفق على العاهرات و القوادين و الكتاب  و عندما أتعب من سفري اعود بما بقي من تلك الثروة و أصبح منتجا سينمائيا و صاحب دور نشر و أصنع مركزا للترجمة و اوصي ان يدفنوني على انغام السمفونية الخامسة


و قد أستعيد سذاجتي المفقودة هناك و امضي حياتي البائسة في البحث عن لقاحات و أمصال جديدة أنقذ بها الأطفال كي يكبروا و يصبحوا وقودا لحروبهم التي لا تنتهي..

قد أكون و قد أكون.. و ربما اموت عطشا في الصحراء و ربما تقتلني "بوكو حرام" لو علموا أن مياهي ليست سوى خمرا رديء الصنع.. و ربما أموت بالملاريا أو بالنسيان  أو بالرصاص.. و ربما تقتلني الضباع او يرفسني قطيع من الحمير الوحشية و أصير نبتة سافانا أو ناب أسد ضاري.. لا أعلم..
 
 ما أعلمه أني راحل دون قطّي الصّغير و دون معجون أسنان






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire