mardi 3 janvier 2017

بين شتائين

بين شتائين 


لم يكن من السهل أبدا، أن يقنع والدته أبدا بأن أولئك الذين تظاهروا في جانفي 1984 ليسوا حفنة من المجرمين ومجموعة من اللصوص الذين روّعوا الأهالي و حرقوا الممتلكات،  كما أنه لم يكن يألم إلا لذكرى الشهداء الذين برى أهله يبخسونهم حقهم و لا يحترمون ذكراهم كما أنّها لا تتذكر من تلك الأيام إلا رأفة الزعيم بأبنائه وصوته المرتعش معلنا عن تخفيض سعر "الخبز و المعكرونة" ولم تصدق أن الزعيم قد أمر بإبادة أبنائه في الشوارع كالكلاب السائبة.. أما الشيخ فإنه ما كان ليتذكر من ذلك الشتاء البعيد أكثر ما يتذكره من باقي الأشتية-جمع الحطب وقيادة الأغنام إلى الهضاب والوديان القريبة- لو أن صبيه الوحيد بعد أربع بنات لم يولد في ذلك الشتاء 


. و في تلك العتمة الصغيرة التي أضائها صراخه و لم تظلم أبدا كما تقول العجوز إلى حد ذلك اليوم الذي صدّقت فيه حكايات ولدها، كبُر عالم أخواته و أمّه كما لم يكبر من قبل. لقد حمل لها صوته حكايات عنتر بن شداد و مغارة علي بابا ومصباح علاء الدين و فروسية روبن هود وغزوات الرسول و شجاعة علي بن أبي طالب و لم يعوض الراديو و لا جهاز التلفاز بكل إغوائه و سحره حكايات صبيّها التي لم تنتهي أبدا.. غير أن تلك الحكايات و إن كانت عذبة إلا أنها كلما كبر إبنها أصبحت أكثر قربا من وديانهم و هضابهم و أكثر حزنا.. وبقدر ما كان فخر العجوز بإبنها يكبر عاما بعد عام، كان خوفها يزداد عليه إلى حد أنها اسرّت لإبنتها الكبرى ذات يوم بأنها تمنّت لو أنه لم يذهب إلى الجامعة ولم يتعلّم يوما..
لم تصدق العجوز أن ما حدث في جانفي 84 مخالف لما حكاه زوجها ولما تتداولته الأحاديث في الأسواق و المرعى وعند النبع، لم تصدق العجوز بأن هؤلاء المتظاهرين كانوا يومها كما هو حال إبنها الآن، طلبة في الجامعة لا ذنب لهم إلا أنهم يحلمون بجعل قراهم و مدنهم أكثر قابلية للعيش.. هي لم تصدق ذلك أو أنها رفضت أن تصدّق...
وفي الواقع لم يكن التصديق من عدمه ليضيف شيئا لأحد سوى أنه يجلب شيئا من السلام لروحه المضطربة و شيئا من السلوى لها، و في تلك العتمة أين كان يروي حكاياته كشفت وجهه للمرة الأخيرة و انحنت على جبينه و أسرت في أذنه "أصدقك، لطالما صدّقتك"

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire